بعد السيطرة الأمنية لحركة حماس على الأوضاع في قطاع غزة منذ ٢٠٠٧ انقلب المشهد بدرجة كاملة أحدثت زلزالا عنيفا حيث أصبح توقع القادم درباً من الجنون فيما كانت المحاولات لفهم ما يجري تصبح فعلا عبثيا لا يعين على فهم الأحداث المتسارعة. إجتماعيا كان الزمن يجري بسرعة بحيث لا يترك مجالا لأحد أن يفهمه حيث بدأت الحكومة في إحتكار المسرح العام وفضاءه الضيق قبل كل شيء لأنها غير قادرة على التفاهم مع أحد سوى بلغتها التي لا تفهم إلا القوة.
بعد كوارث كثيرة غيرت في المشهد الفلسطيني وعجنته تحت أقدام الحرب ووطأة الحصار الخانق، بدأت قدرة الملاحظة تعود من جديد حيث أصبح من الضروري الكتابة عن الجو العام الذي أصبح غير قابل للحياة على الرغم من المحاولات القليلة لبعثه من جديد حتى ولو كان متماهيا مع القبضة الأمنية.
مع إنتهاء العام الحالي، يكشف الواقع الثقافي في غزة عن جفاف تام رغم كثافة الأحداث التي من المفترض أن تؤدي بنتائج ولو بسطية حتى، لكن الخوف والإرهاب الذي زرعته السلطة في النفوس قبل المكان هو العائق الأكبر أمام إنتاج مشهد موسيقي، إضافة إلى ذلك الصعوبة في إيجاد تمويل مستقل وحاضنة بعيدا عن الشروط التي تثقل العمل وتجبره على الخضوع حيث يضطر الفرد إلى الجلوس ومشاهدة كل الأموال التي تهدر على مشاريع لا قيمة لها وورشات عمل بالية لا تقدم ولا تؤخر. إن ما يمر به المجتمع الفلسطيني في غزة من أزمات مفروضة بفعل سلطة أو حصار خارجي لم يعطي إلا منتوجا مدمرا للثقافة الشعبية وخارجا تماما عن النص إذ يبدو غير متمايز مع طبيعته ونشازا يحدو لوحده دون رسالة واضحة غير معنية بتوصيل ما يجري على الأرض. بل يصل المشهد إلى حدود الإنغلاق على نفسه كما تريده السطلة التي تدفع بصورة وحيدة أمام العالم وهي أنه لا مكان للمختلف والآخر. كانت النتيجة مأساوية في هذا المسار الباهت والذي لا يأتي بتأثير رغم قلته من حيث الكمية، حيث يخرج إلى النور كل فترة أعمال صغيرة وخجولة جدا لا تكفي لخدش السطح.
قبل شهر، أطلقت وتر باند ألبومها الأول وهو يعد صراحة الأول من نوعه، من حيث تشكيل أول فرقة شبابية موسيقية في غزة، تمزج ما بين موسيقى الروك والبوب في تداخل بين الجيتار الكلاسيكي والإليكتريك جيتار والدرمز. يبدأ الفيديو الكليب الذي نشرته الفرقة على يوتيوب برجل عجوز جالس يشاهد التلفاز الذي يعرض مشهدا من مظاهرات الربيع العربي، ثم تبدأ الأغنية بكلمات دوشة التي تتماشى مع الواقع المشوش وحالة التوهان الذي يعيشه الشباب بلا أي بوصلة أو إتجاه. تكمل الأغنية بإتجاه آخر يقلب المسار بكلمات عادية جدا وبلا رسالة واضحة عن مضمون العمل أو جوهره، كأن الفراغ المسيطر لا يكفي وإنما هو إنعكاس بحت على فحوى الكلمات والفيديو كليب الذي لا يوجد ترابط بين مشاهده. لكن على العكس، تبدو الموسيقى متوسطة الجودة هي الجوهر الكلي للعمل وقالبه الوحي الذي يغطي على ضعف الكلمات وقد يأتي بمحاولات موسيقية قادمة أفضل، إذا ما تم مقارنتها مع أنواع أخرى منتشرة مثل الراب الفلسطيني الذي لديه خبره كبيرة في هذا المجال وبالتالي فإن من المبكر التنبؤ بشيء.
ولأن الفن لا يستطيع التغاضي عن الحالة السياسية والإقتصادية المتأزمة وأن يسير بمعزل عن أحواله المحيطة، وإذا لم يتحدث بإسم بيئته التي تعاني أزمات إجتماعية من إنتشار للمخدرات وقمع سلطوي وإحتلال ولم يكن إنعكاسا لما يجري، فإنه يصبح هامشا رثا لا قيمة له.